للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد اعتبر العلماء قديمًا وحديثًا الحكمَ بغير ما أنزل الله كُفرًا مُخرجًا عن الملة، نقل الإجماع على ذلك ابن كثير (١). وألف مفتي الديار السعودية فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم، يرحمه الله، رسالة في «تحكيم القوانين» وضح فيها الحالات التي إن فعلها الحاكم دخلت في الكفر المخرج من الملة، ولولا خشية الإطالة، لنقلتها لكم فليراجعها من يشاء.

أيها المسلمون، هذا حديث عن بعض نواقض الإيمان، وسأستكملُ الحديث عن بقيتها في خطبة لاحقة بإذن الله ... ولكنني قبل ذلك أسارع القول مُحذرًا من مسلكٍ خطير واستعمالٍ محذور، ألا وهو محاولة تطبيق الأحكام الشرعية النظرية على الواقع من قبل أُناسٍ لا يملكون أدوات التطبيق، وليس لهم من فهمِ قواعد الشريعة وكُلياتها ما يستطيعون به تنزيل النصوص منازلها الحقة، فلا ينبغي أن تدرج قضية التكفير على كل لسان، ومصيبةٌ أن يتجرأ فيها سفهاء الأحلام بغير علم ولا برهان، وأهل السنة- قديمًا وحديثًا- يحتاطون لذلك كثيرًا، ولذا فرقوا بين تكفير المطلق وتكفير المعين، ووضعوا شروطًا للتكفير وموانعَ يعذرُ بها الجاهل والمتأول .. إلى غير ذلك من ضوابط يعيها الراسخون في العلم، وإليكم شيئًا من احتياطهم وحذرهم من تكفير المعين. يقول ابن تنمية، يرحمه الله، : (وليس لأحدٍ أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطا وغلط حتى تُقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يُزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة) (٢).

ويسوق ابن تيمية في موضع آخر- من الفتاوى- بعضًا من الأعذار الواردة على تكفير المعين فيقول- وما أجمل ما قال- (الأقوال التي يكفر قائلها، قد


(١) البداية والنهاية ١٣/ ١١٤، التفسير ٣/ ١٢٣.
(٢) مجموع الفتاوى ١٢/ ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>