للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويترحم ويقول: كان والله سدّادًا لنحر العدو، ميمون النقية (١) ... وحين جاءت تركة خالد فلم يوجد بها إلا فرسه وسلاحه وغلامه، لم يتمالك عمر أن يقول:

(رحم الله أبا سليمان كان على ما ظنناه به) (٢) فهل رأيتم كهذا العدل في القول والفعل؟ .

وهذا سليمان بن عبد الملك يجتاز المدينة في طريقه إلى مكة، ويرسل إلى أبي حازمٍ شيخ المدينة فيسأله: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ فأجابه بكل صدق وصراحة: لأنكم خربتم آخرتكم وعمّرتم دنياكم، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال سليمان: كيف القدوم على الله يا أبا حازم؟ قال: يا أمير المؤمنين أما المحسن فكالغائب يقدُم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه ... وتمضي هذه الكلمات الصادقة لتلامس قلب الخليفة فلا يسعه إلا أن يبكي ويقول: ليت شعري فما لي عند الله؟ .

قال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله تعالى حيث يقول: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (٣)، إلى آخر القصة التي آخرها أشدُ من أولها، لكنها الكلمات الصادقة ينفع الله بها، ويقدّرها حق قدرها العارفون (٤).

يا أخا الإسلام، ومن الإيجابية في نقد الذات واستصلاح النفس ألا ترى سبيلاً للدعوة لدين الله ونشر الخير وأنت قادرٌ عليه إلا سلكته، وقد أودع الله في كل إنسان من الطاقة ما يستطيع بها، بعون الله، أن يسخرها في الخير الذي هو مستطيع له، ومن السلبية أن نظن أن أمر الدعوة خاص بفئة معينة، ومن علائم


(١) سير أعلام النبلاء ١/ ٣٨٣.
(٢) سير أعلام النبلاء ١/ ٣٨٣.
(٣) سورة الأنفطار، الآية: ١٣.
(٤) مناهج العلماء في الأمر بالمعروف/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>