للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (١).

إخوة الإيمان، ودلائل الإيمان تبدو للإنسان نفسه حتى وإن كان أُميًا، وهو يتأمل في نفسه، ويبصر عظمةَ الخلق فيها، كيف خلقها الله ابتداءً من ماءٍ مهين، ثم كانت بهذا الشكل القويم، وأودع فيها من أسرار الخلق ما يعجز الطب عن كنهه، ويبقى الأطباء في حيرة منه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (٢).

وهذا نموذجٌ للإعجاز والتحدي.

تُرى من يرعى دقات قلب المرء في حال اليقظة والمنام؟ وأقرب الناس إليه لا يملك من أمره شيئًا؛ بل وهل يملك الإنسان نفسه التصرف في حركة التنفس؟ فيتنفسن متى شاء، ويوقف أنفاسه إذا لم يشاء؛ ألم ير الإنسان كيف يُدخل الطعام مدخلاً ثم يُخرجه الله مخرجًا آخر؟ أله في ذلك قدرةٌ وشأنٌ؟ وما حيلته لو اختنق النفسُ أو احتبس البول؟ كم في جسم الإنسان من جهاز وطاقة؟ وكم فيه من أعضاءٍ وخلية؟ أيملك التصرفَ بشيءٍ منها؟ وصدق الله وهو أصدق القائلين {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وهو القائل: {خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (٣).

إن القرآن، يا عباد الله، كتاب مفتوح للتأمل في ذات الإنسان وفي ملكوت الله، وخلقْه الآخر، وكم تُلفت آيات القرآن للتأمل والعبرة، وتدعو للتفكّر،


(١) سورة فاطر، الآيتان: ٢٧، ٢٨.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٨٥.
(٣) سورة التين، الآية: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>