للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دائمًا في ضمائرنا، وفي إحياء شعورنا بالكون من حولنا، وفي تحريك خوامد إحساسنا التي أفقدها طول الألفة إيقاع المشاهد الكونية العجيبة، وطرفٌ من ربط العقول والقلوب بهذا الكون الهائل العجيب (١).

أيها المسلمون، كم في إرسال الرياح وإنزال المطر من آية تدل على أن مرسلها ومنزل المطر بعدها واحدٌ قادر، والرياح كما يقول العلماء أنواع في صفاتٍ كثيرة من التسخير، فمنها ما يثير السحاب ومنها ما يحمله، ومنها ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشرًا، ومنها ما يكون قبل ذلك تقُمُّ الأرض، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، وإلى ذلك أشار ربنا في قوله:

{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (٢) وآيات غيرها في القرآن كثير. فإذا أنزل الله المطر أحيا به الأرض، روى عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرةً إلا أنبت بها في الأرض عشبةً، أو في البحر لؤلؤة. ومع هذه القدرة البالغة، فلله القدرة كذلك على تصريفه من مكان لآخر، وسَقي هذه الأرض أو البلد دون تلك- {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ... } (٣).

قال ابن عباس وابن مسعود، رضي الله عنهم: ليس عامٌ بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ... } والقدرةُ هنا مُذكّرة بالقدرة على إحياء الموتى بعد أن كانت عظامًا ورفاتًا، أو ليذّكّر من مُنع المطر أنما أصابه ذلك بذنبٍ أصابه، فيقلع عما هو فيه ... كذا نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في معنى الذكرى هنا (٤).


(١) الظلال ٥/ ٢٥٦٩.
(٢) سورة الفر قان، الآية: ٤٨.
(٣) سورة الفر قان، الآية: ٥٠.
(٤) تفسير آيات الفرقان ٣/ ٥١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>