للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه، هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان، فجاءه برسالة الله، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحميَّة، والنفس الخبيثة الأبية، وقوة رأسه وتولى بركنه، وادعى ما ليس له، وتجرّأ على الله وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل، والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون- عليهما السلام- ويحوطهما بعنايته ويحرسهما بعينه التي لا تنام، ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يدي موسى شيئًا فشيئًا ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب، مما لا يقوم له شيء ولا يأتي به إلا ما هو مؤيد من الله {وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} (١) وصمم فرعون وملؤه- قبحهم الله- على التكذيب بذلك كله ... حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وأغرقهم في صبيحة واحدة: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} (٣).

أجل إخوة الإيمان، لقد تعمد فرعون قتل أبناء بني إسرائيل، لأنه بلغه أن غلامًا منهم سيولد ويكون هلاك ملك مصر على يديه، فانزعج لذلك وأمر بقتل كل مولود يولد لبني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام- ولا يغني الحذر عن القدر- ومع حرص فرعون وطغيانه وجبروته فقد قدر الله أن يولد موسى عليه السلام في السنة التي يقتل فيها كل مولود لبني إسرائيل، وأن ينجوَ من بأسه وقتله، وقد حزنت أمه حين حملت به خوفًا عليه، وحين وضعته، واستمر الخوف يلاحقها حتى أُوحي إليها أن ترضعه، فإذا خافت عليه فلتضعه في صندوق ثم تُلق به في


(١) سورة الزخرف، الآية: ٤٨.
(٢) سورة الأنعام، الآية ٤٥.
(٣) تفسير ابن كثير ٤/ ٢٢٠، ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>