للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمة الإسلام، أما الدرس الرابع الذي تكشفه قصة الحوار بين موسى عليه السلام والمؤمنين معه، وفرعون وملئه، فهو الخداع والتدليس الذي يمارسه المجرمون على رعاع الناس وجهلتهم، وتأملوا في مقولة فرعون للسحرة -حين آمنوا- كما قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (١).

وقال في الآية الأخرى: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} (٢).

قال ابن كثير رحمه الله: وفرعون يعلم، وكل من له لبّ، أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل، فإن موسى عليه السلام، بمجرد ما جاء من (مدين) دعا فرعون إلى الله وأظهرَ لهُ من المعجزات ما جعله يبعث في مملكته لجمع السحرة لإبطال سحر موسى، كما زعم، وموسى، عليه السلام، لا يعرف أحدًا منهم، ولا رآه ولا اجتمع به .. إلى أن يقول ابن كثير: (وفرعون يعلم ذلك، وإنما قاله تستُرًا وتدليسًا على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} فإن قومًا صدّقوه في قوله {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} من أجهل خلق الله وأضلهم، انتهى كلامه رحمه الله (٣).

أيها المؤمنون، ومع الخداع والتدليس على الدهماء تُقْلب الحقائق، ويُتَّهَم الأبرياء- وهذا هو الدرس الخامس- فلم يكتف فرعون وقومه بالقول عن المؤمنين الصادقين {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} (٤)، بل اتّهَم الملأ وجلساءُ السوء موسى والمؤمنين معه، بالإفساد في الأرض: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ


(١) سورة الأعراف، الآية: ١٢٣.
(٢) سورة طه، الآية: ٧١.
(٣) التفسير ٣/ ٤٥٤، ٤٥٥.
(٤) سورة الشعراء، الآية: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>