استلزم منهم أحيانًا النهي الفعلي، وتفريق المجتمعين على البدع، فقد أخرج الدارمي بسند صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود، رضي الله عنهما: إني رأيت في المجلس قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم أتى حلقةً من تلك الحِلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن، أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد؛ ما أسرع هلكتكم! هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذا ثيابه لم تبل، والذي نفسي بيده أنتم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه (١).
هذه كلمات واضحةٌ صريحة، توزن بماء الذهب لمن عقل ووعى، وهي نهي مبكر عن الابتداع في الدين، وهي تحذيرات من جيل الصحابة والتابعين، وليست نظرات وهابية كما يخيل للجاهلين وأصحاب الأهواء المبتدعين.
وتأمل أخي المسلم كيف يدخل الشيطان على الإنسان من باب القربة والطاعة حتى يبعده عن السنة والجماعة، ويرحم الله الإمام الشافعي وهو القائل:(لأن يلقى الله العبد بكل ذنب- خلا الشرك- خيرٌ من أن يلقاه بشيء من الهوى).
وقيل لسفيان بن عتبة رحمه الله: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم
(١) خطب الشيخ صالح الحميد، المجموعة الثانية/ ١٣، ١٤. وانظر: خطب الشيخ الفوزان ١/ ٧٣ مع اختلاف في الرواية.