للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلعوا على عورة، لا يحب صاحب المنزل أن يطلع عليها، كان ذلك من تزكية القلوب، ومن عظمة هذا الدين.

إخوة الإيمان، والأصلُ في ذلك كله غض البصر، وعدم إطلاقه في المحرمات والعورات وقد قيل:

كل الحوادث مبدؤها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر

وقال العارفون: إن غض البصر يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر، جليلة القدر، إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ذلكم أن العين رائدة القلب، فإذا أطلق الإنسان بصره في المحرم تعلق قلبه به، فيصير القلب عبدًا لمن لا يصالح أن يكون هو عبدًا له، وحينئذ يقع القلب في الأسر، ويصبح أسيرًا بعد أن كان ملكًا، ومسجونًا بعد أن كان حرًا طليقًا. وتبدأ همومه وشكواه وصبابته وتيهه وغرامه وعشقه في غير الله وهكذا يتوزع قلبه وينصرف عما خلق له، وهذا إنما تمتلئ به القلوب الفارغة من حي الله والإخلاص له، إذ القلب لابد له من تعلق، وفرق بين من تعلق بالله فهداه وبين ما تعلق قلبه بغير الله فأضله وأرداه.

الفائدة الثانية من فوائد غض البصر للقلب أنه يورثه النور وصحة الفراسة: وقد عقب الله على قصة لوط عليه السلام بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} (١) وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم والفاحشة .. هذا في فراسة القلب، أما نوره فقد قال تعالى عقب أمره إلى المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (٢). وسر هذا كما قال ابق القيم- رحمه الله- أن الجزاء من


(١) سورة الحجر، الآية: ٧٥.
(٢) سورة النور، الآية: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>