للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتضيق وتنقبض حينما يذكر الله، وهؤلاء هم الكافرون الذين قال الله عنهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (١).

أخي في الله، وإذا أضيفَ إلى ذكر الله سلامة القلب من الغش والحسد، كان ذلك علامة صحة القلب، وقاد ذلك صاحبهما إلى الجنة ونعم المآب، وتأمل كيف اجتمع الأمران لرجل فكانا سببًا في دخوله الجنة في قصة تستحق الوقفة والتأمل، فقد أخرج الإمام أحمد وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .. فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قالت النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى ..

فلما قام تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثًا فإن رأيت أن تؤوييني إليك حتى تمضي، فعلت؟ قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار- أي تنبه من نومه- وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت يا عبد الله: إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثَمَّ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة وطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: ما هو


(١) سورة الزمر، الآية: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>