ولقد آمن بآيات الله الكافرون، وأسلم لوجه الله الشاردون وهم يبصرون النذر توقظ ضمائرهم، والمخاوف تحيط بهم، فلا ملجأ من الله إلا الله، ولا منقذ إلا هو وحده. وهاك نموذجًا لهؤلاء:
لقد آذى عكرمة بن أبي جهل، رضي الله عنه، قبل أن يسلم، رسول الله والمؤمنين معه، ومع مرور الزمن بدأ صوت الحق يعلو وصوت الباطل يخف، حتى أذن الله بفتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وعفا الرسول صلى الله عليه وسلم عمن آذوه وطردوه، وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وكانت تلك لمسةَ وفاء، وجزءًا من أخلاقه وشمائله، عليه الصلاة والسلام.
ومع أنه صلى الله عليه وسلم أمَّن الناس كلهم إلا أنه استثنى نفرًا من المشركين، منهم عكرمة، وأمر بقتلهم، وذلك لشدة أذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولما ألحقوه من أذى وتنكيل بالمسلمين.
وكيف لا يكون عكرمةُ في طليعة هؤلاء وهو ابن فرعون هذه الأمة .. وربما خُيّل لعكرمة يومًا أنه سيخلفُ أباه، وربما بلغ به الغرور أنه سيحطم الدعوة، أو يشل من حركة المؤمنين، ومن عادى وليًا لله كان في حرب مع الله، وتطامنت الكبرياءُ، وزال أمام عظمة الله كل دواعي الغرور .. فها هو عكرمة يفرُّ من مكة إلى اليمن، هائمًا على وجهه خوفًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يركب البحر