للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليدخل الحبشة مع قوم مسافرين، فجاءتهم ريحٌ عاصف، فقال القوم بعضهم لبعض: أخلصوا، فإنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده، هنا استيقظ الإيمان في قلب عكرمة، وتبدّى له الحقُّ دون حجاب وقال قولته العاقلة: (والله لئن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك عليَّ عهد لئن أخرجتني منه، لأذهبن، فأضعنَّ يدي في يده، فلأجدنه رؤوفًا رحيمًا، فخرجوا من البحر، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه (١)، ومع شؤم المعصية التي اقترفها عكرمة، ومع الصدود والإعراض وإيذاء المؤمنين قبل، فإنها التوبةُ النصوح والصدق والإخلاص في الجهاد في سبيل هذا الدين بعدُ .. وها هو عكرمة يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له: يا رسول الله، والله لا أنزلُ مقامًا قُمتُه لأصد به عن سبيل الله، إلا قمت مثله في سبيل الله تعالى، ولا أترك نفقةً أنفقتها لأصد عن سبيل الله، إلا أنفقت مثلها في سبيل الله، عزل وجل ..

وصدق عكرمة مع الله وشهدته ساحات الوغى جنديًا مقاتلاً في سبيل الله، حتى إذا كان يوم اليرموك نزل فترجَّل فقاتل قتالاً شديدًا فقُتل رحمه الله، فوُجد به بضعٌ وسبعون من بين طعنةٍ وضربةٍ ورمية رضي الله عنه وأرضاه (٢).

أيها المسلمون، يمهل الله ولا يهمل، ويُري الناس من آياته وعجائب قدرته ما تشهد به قلوب المؤمنين، ويغفل عنه المستكبرون وتحيط القوارع والنذر بالناس أجمعين، وما تغني الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون .. وتتوالى الفتن وتعصف بالناس عواصف المحن، والقلة القليلة منهم هي التي تتذكر وتستغفر {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (٣).


(١) تفسير ابن كثير ٥/ ٩٣، الإصابة ٧/ ٣٧ وقد أسندها.
(٢) أسد الغابة- بهامش الإصابة- ٨/ ١٢٢.
(٣) سورة التوبة، الآية: ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>