للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعراء، وأرباب الفصاحة للحوار والمفاخرة وإظهار التحدي .. فنزل القرآن ليتحداهم جميعًا، إنسهم، وجنهم {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (١) بل بلغ التحدي إظهار عجزهم عن تأليف سورة من مثله {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (٢).

وفوق ذلك فقد استطاع القرآن الكريم أن يخترق قلوبهم وهم بعد على الكفر والضلال، وما زال يؤثر فيها حتى قاد أصحابها إلى الهدى والإيمان، يقول جبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي رضي الله عنه وكان من أكابر قريش وعلماء النسب فيها: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة (وذلك في وفد أسارى بدر) فسمعته يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} (٣) كاد قلبي يطير (كما روى ذلك الشيخان في صحيحيهما) (٤).

وفي رواية (كان ذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي) وإن كان قد تأخر إسلامه إلى ما بين الحديبية والفتح) (٥) وقبل جبير كانت قصة عتبة بن ربيعة، وهي مشهورة، وإسنادها حسن، وخلاصتها أن قريشًا بعد ما رأت انتشار الإسلام اختارت أحسن رجالاتها ليكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو وليد عتبة بن ربيعة، وكلم النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا، وهو منصت له، فلما فرغ قال: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال:


(١) سورة الإسراء، الآية: ٨٨.
(٢) سورة هود، الآية: ١٣.
(٣) سورة الطور، الآيات: ٣٥، ٣٦، ٣٧.
(٤) (البخاري مع الفتح ٨/ ٦٠٣، ومسلم ١/ ٣٣٨، والإصابة ٢/ ٦٥، ٦٦).
(٥) (الإصابة ٢/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>