للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، قال أنصت فقرأ عليه مطلع سورة فصلت حتى بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (١) فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله، واحتبس عن قريش فترة، وفي بعض الروايات أنه جاء إليهم، فقال بعضهم لبعض: نقسم، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك؟ قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر عليهم فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك يا أبا الوليد بلسانه، قال هذا رأي فيه فاصنعوا ما بدا لكم (٢).

وكان للقرآن أثره البالغ على أفئدة قساوسة النصارى {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (٣).

بل تأثر مردة الجان الذين كانوا قبل نزوله يسترقون السمع، فقالوا: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} (٤).

وأخرج الحاكم وغيره بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: هبطوا- يعني الجن- على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا، قالوا صه! وكانوا تسعة، أحدهم زوبعة، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَا


(١) سورة فصلت، الآية: ١٣.
(٢) تفسير ابن كير ٧/ ١٥١، ١٥٢.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٨٣.
(٤) سورة الجن، الآية: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>