للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكون فتنة لهم، يقول شيخ الإسلام- في بقية وصفه- من الناس من أقصى همته النجاة بنفسه لا يلوي على ماله ولا ولده ولا عرضه- بعد أن تحدث عن أصناف الناس في هذه المحنة- «ولم تنفع المنفعة الخالصة من الشكوى إلا الإيمان والعمل الصالح والبر والتقوى، وبليت فيها السرائر وظهرت الخبايا، وتبين أن البهرج من الأقوال والأعمال يخون صاحبه أحوج ما كان إليه من المال، وذم سابقه وكبراءه من أطاعهم فأضلوه السبيل، كما حمد ربه من صدق ما جاءت به الآثار النبوية .. إلى أن يقول وتحزبت الناس ثلاثة أحزاب: حزب مجتهد في نصر الدين وآخر خاذل له، وآخر خارج عن شريعة الإسلام .. » (١).

أيها الإخوة المؤمنون فإن قلتم: وهل وقع في هذه المحنة ما يستوجب هذه الوحشة وذلك الفرق والذهول لأهل الإسلام؟ أجبت أن نعم وإليكم نماذج لما حصل.

ففي بخاري المسلمة دخل التتر عنوة، وطلب أهلها الأمان، فأظهر لهم «جنكيز خان» العدل وحسن السيرة وهو يروم غير ذلك، إذ أمر بالتوجه إلى قلعتها الحصينة التي احتمى بها طائفة من العسكر لم يتمكنوا من الهروب مع أصحابهم، وطلب من أهل البلد الخروج معه لمحاصرتها ومن تخلف عنه قتل، فكانت تلك بداية الاستخفاف والاستذلال، فخرجوا خوفًا من بطشه، وأمرهم بردم الخندق المحيط بالقلعة ففعلوا، وبلغ من سوء التتر واستهتارهم أن استخدموا كل شيء في ردم هذا الخندق حتى ألقيت المنابر وربعات القرآن في الخندق، وبعد قتال مرير دخلوا القلعة وقتلوا جميع من احتمى بها من المسلمين، ولم تقف المأساة عند هذا الحد، بل عادوا مرة أخرى إلى البلد


(١) الفتاوى ٢٨/ ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>