الناس، ويصور مشاعرهم ومواقفهم بدقة وخبرة شيخ الإسلام ابن تيميه عليه رحمة الله حين يقول: فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده ودأب الأمم وعاداتهم، لاسيما في مثل هذه الحادثة العظيمة التي طبق الخافقين خبرها، واستطار في جميع ديار الإسلام شررها، وأطلع فيها النفاق ناصية رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيها عمود الكتاب أن يجتث ويخترم، وحبل الإيمان أن ينقطع وينصرم وعقر دار المؤمنين أن يحل بها البوار، وأن يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار، وظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض أن ما وعدهم الله ورسوله إلا غرورًا، وأن لن ينقلب حزب الله ورسوله إلى أهليهم أبدًا .. ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيران، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران، وتركت اللبيب لكثرة الوساوس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان، حتى بقي للرجل بنفسه شغل عن أن يغيث اللهفان، وميز الله فيها أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض أو نفاق أو ضعف إيمان، ورفع بها أقوامًا إلى الدرجات العالية، كما خفض بها أقوامًا إلى المنازل الهاوية، وكفر بها عن آخرين أعمالهم الخاطئة، وحدث من أنواع البلوى ما جعلها قيامة مختصرة من القيامة الكبرى (١).
معاشر المسلمين: هذا جزء من وصف ابن الأثير وابن تيمية رحمهما الله - لهذه الحادثة الكائنة وهو يكشف لكم عن استمرار البلوى والامتحان لأهل الإيمان عبر الزمان والمكان، ويكشف من جانب آخر اختلاف مواقف الناس حين الشدائد والمحن، وكيف يثبت الله المؤمنين، ويفضح المنافقين، ويكشف حقد الكافرين، وكيف يرفع بها أقوام، وتحط من خطاياهم، ويزل بها آخرون