الغوث من الله عز وجل، ولم تزل تتردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة في هذا الوادي المقفر حيث لا ماء ولا مرعى ولا أنيس ولا سامع للصوت إلا الحي القيوم الذي سمع ما بهاجر من رقة وتذلل وتضرع وإحساس بالفقر إلى الله، فكشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«طعام طعم وشفاء سقم» أي يشبع الإنسان إذا شِرب ماءها كما يشبع من الطعام.
قال أهل العلم: فالساعي بين الصفا والمروة ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله عز وجل ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي إلى حال الكمال، والغفران، والسداد، والاستقامة كما فعل بهاجر عليها السلام (١).
وتلك أخرى من فقه الحج ومنافعه.
إخوة الإيمان، وكذلك ينبغي أن يتحرك الحجيج في مناسك الحج كلها، فقهًا وخشوعًا، وتأملاً، واقتداءً بأنبياء الله ورسله، وليس يخفى على المسلمين أن هذه المناسك سنها إبراهيم عليه السلام واقتفى أثره منها خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وأصبحت بعد عبادة يؤديها المسلمون ولم تكن هذه المشاعر محض اجتهاد من أبي الأنبياء عليه السلام، بل كانت استجابة أخرى لدعاء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام لربهما حين قالا {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}.
قال سعيد بن منصور: حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد قال: قال إبراهيم: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} فأتاه جبريل، فأتي البيت فقال: ارفع القواعد، فرفع