والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان» (١).
أيها المسلمون ويدرك من فقه سر الصيام كم لرمضان من أثر على تربية النفس، وعبودية الجوارح بقية العام، ذلكم لأن شهر رمضان يدرب النفس على كثير من خلال الخير، فتحيا المراقبة لله، ويشيع الصدق في النفوس لصدقها مع الله في الصيام واجتناب الآثام، وتتطبع النفوس بالكرم والجود، وتهوى الإحسان إلى المحتاجين، والبر بالأقربين وتتهذب الأخلاق فلا تسمع الآذان الحرام، ولا تنطق الألسنة بالفحش والسبِّ ورديء الكلام، وتربي الأعين على عدم استدامة النظر في الحرام. ذلك كله يهدي العارفين والمدركين لأسباب الصوم أن بإمكان المرء أن يغير من واقعه، وأن الفساد والحرام ليسا ضربة لازب له، وتتحطم أسطورة الشيطان التي يوسوس بها في النفوس حين يوحي لأوليائه بثقل الطاعات وصعوبة ممارسة الخيرات، وعدم القدرة من الانفكاك من أسر الشهوات، وكذلك ينبغي أن يستثمر العاقل هذه التوبة إلى الله، وأن يسارع بتغيير واقعه إلى الأحسن بعد رمضان.
ما أحوج الأمة إلى شهر الصيام يأتي ليحسسها بقيمة الوقت، وأهمية ملئه بالطاعات .. والصائم الفطن يقضي سحابة وقته في الذكر والتلاوة والصلاة والتحسر على الوقت يضيع دونما فائدة، وكذلك ينبغي أن يكون المسلم حريصًا على وقته في رمضان وبعد رمضان وأن يتخذ من حفظ وقته في رمضان وسيلة لحفظ أوقاته على الدوام.
(١) الحديث رواه أحمد والطبراني والحمائم وغيرهم بإسناد صحيح، صحيح الجامع ٣/ ٢٦٨.