للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأناة خير في الآخرة والأولى، كذلك يهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته ويقول: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه» (١). بل يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الرفق والأناة سبب لكل خير، ويقول: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه». ويحذر عليه الصلاة والسلام من فقد الرفق بفقد الخير كله وهو القائل: «من يُحرَم الرفق يُحرَم الخير» (٢). ومن ثم قيل: (الرفق في الأمور كالمسك في العطور) (٣). وقديمًا قيل: الحلم سيد الأخلاق.

وما فتئ العارفون يتمثلون الحلم في حياتهم، والأناة في تصرفاتهم، ويهدون بها غيرهم، وقد ورد أن رجلاً سبَّ ابن عباس رضي الله عنهما، فلما فرغ قال يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى (٤).

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (٥). هو الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت كاذبًا فغفر الله لك، وإن كنت صادقًا فغفر الله لي (٦).

وما أجمل ما قال الشافعي رحمه الله

يخاطبني السفيه بكل قبحٍ ... فأكره أن أكون له مجيبًا

يزيد سفاهةً فأزيد حلمًا ... كعودٍ زاده الإحراق طيبًا (٧).


(١) رواه مسلم ح ٢٥٩٣، ٤/ ٢٠٤.
(٢) روى الحديثين الإمام مسلم في صحيحه ٤/ ٢٠٠٣، ٢٠٠٤.
(٣) الأخلاق الضائعة للعنبري/ ص ٣٢.
(٤) إحياء علوم الدين ٩/ ١٦٦١.
(٥) سورة فصلت، الآية: ٣٤.
(٦) الإحياء ٩/ ١٦٦١.
(٧) الأخلاق الضائعة/ العنبري/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>