للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منها إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطح حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة) (١).

ولم ينج من هذه المذبحة الرهيبة أحد إلا أهل الذمّة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي- الذي ساهم في دخول التتر وحسن لهم القبيح وجنى على المسلمين السفه، وعلى أصحاب ملته من الرافضة، بل وعلى نفسه حيث راح في النهاية ضحية غدره وفجوره، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، والله المستعان.

أيها المسلمون لم تكن المحالفات مع الكفار -مع عظيم أمرها- الداء الوحيد والسبب الأول والأخير لهزيمة المسلمين أمام جحافل التتار، بل انضاف إلى ذلك ضعف همة ملوك الإسلام عن الجهاد، وانشغالهم باللهو واللعب، وغفلتهم عما يراد بأمتهم، حتى قيل: إن التتر حين أحاطوا بدار الخلافة (بغداد) يرشقونها بالنبال من كل جانب، أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وقد جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفرع فزعًا شديدًا، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم) (٢).

وهذا ابن الأثير رحمه الله ينعي على الإسلام وأهله، ويصف أحوال ملوكه قبيل وفاته بسنتين ويقول معلقًا على أحداث سنة ٦٢٨ هـ (ثمان وعشرين وستمائة


(١) البداية والنهاية ١٣/ ١٩٢.
(٢) البداية والنهاية ١٣/ ١٩٠، ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>