إخوة الإيمان وما ضرَّ هؤلاء حالهم، ولا انتقص الفقر من أقدارهم، وإذا كُنتُ أسلفتُ أن هناك أغنياء تضيق عليهم الدنيا مع سعتها، ولا تذهب الوحشةَ عنهم أموالُهم رغم كثرتا، فيشهد الواقع أن ثمة طائفة أخرى يعيشون السعادة بكل معانيها، ويحسون بالأمن والطمأنينة بكل ألوانها وليسوا يملكون من الدنيا إلا ما به عن الخلق يستغنون، ولا من العيش إلا ما به يقتاتون .. لكنهم يملكون رصيدًا من الإيمان بالله به يهتدون، ويملكون الرضا والقناعة والزهد في الدنيا وبهذا وذاك يستغنون، وهؤلاء وأولئك يؤكدون قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» كما سبق الحديث-.
وبعد أيها المسلمون، فهذه الدنيا وقدرها، وتلك نماذج من فهم العارفين بها .. أتستحق الاهتمام إلى درجة ينسى فيها المرء الواجبات المتحتمات، أو يتهاون في سبيلها بالكبائر والمحرمات؟
ألا ما بال أقوام يستهينون في جمعها مما حلَّ أو حرَّم، فلا ينتهون عن الربا، ولا يتورعون عن الغش في البيع والشراء، ولا يبالون بالكذب والخداع، وربما فهموها نوعًا من الشطارة في الأخذ والعطاء.
وما بال أقوام يستغلون الفرص فيرفعون الأسعار، ويزيدون في السلع دون مبرر لهذا أو ذاك، أو ما علم أولئك أن القليل من الحلال يبارك الله فيه، وأن
(١) الحديث رواه البخاري وغيره، انظر الصحيح مع الفتح ١٣/ ٣٠٣، وصحيح سنن الترمذي ٢/ ٢٧٧.