العلم المادي توصل إلى معالجة بعض ما يعتري القلب من آفات مادية، وأمراض حسية، أما معالجة القلب من أدوائه الحقيقية، وإصلاح القلب من أدغاله وعلله الباطنية، فذلك ما لا تستطيعه أيدي البشر، وإنما هو من صنع الرحمن، خالق القلوب، ومقلبها، والعالم بمنحنياتها، والخبير بسبل علاجها، وهذا ما يدعونا إلى الوقوف عند هذا الأمر مليًا قبل أن ينتشر فساد القلب فيحتاج إلى استئصال الجوارح كلها، وإذا كان الناس يفزعون لمرض السرطان لسرعة انتشاره وخطره، فليس أقل منه خطرًا مرضُ القلب أو موتُه. وإن كان ليس مدرجًا لكل الناس، أما صاحب القلب نفسه فهو يحس بالخطر، ويتأذى من المرض، لكن ربما لم يدرك حقيقة الأمر، أو لم يهتد بعد للعلاج النافع.
وها نحن- أولاً- نعرف بشيءٍ من أمراض القلوب وأدوائها، ثم نعرض بعد حين- بإذن الله- إلى سبيل العلاج والأدوية النافعة للشفاء بإذن الله، والموفَّق من وفقه الله، فأصْغى سمعه، وقوم نفسه، فإن وجد خيرًا فليحمد لله، وإن وجد غير ذلك فلا تزال فرص الإصلاح ميسورة، وطرق الخير مشروعة.
وقبل أن نعرض لهذا وذاك، لابد من القناعة بأهمية موقع القلب بالنسبة للإنسان وجوارحه، فهو- كما قيل- مَلِك الأعضاء، وبقيَة الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود مطيعون له، منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملكُ صالحًا كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسدًا كانت جنوده بهذه المثابة فاسدةً، ولابد من العلم كذلك أنه لا ينفع عند الله إلا القلب السليم، كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (١).