للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بذلك؟ قال: نعم قالت: إذن لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (١).

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طوف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلذلك سعى الناس بينهما، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه- تريد نفسها- ثم تسمعت أيضًا فقالت: قد أسمعت إن كان غواث، فإذا هي بالملَك عند موضع زمزم فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا، قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت


(١) سورة إبراهيم، الآية: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>