واستجاب الله دعاء خليله عليه السلام، بعد أن عاشت هاجر وابنها إسماعيل لحظات عصيبةً أوشك الوضيع فيها على الهلاك، وكادت الوحشة وقلة الطعام والشراب أن تودي بالمرأة وطفلها، لولا فضل الله ورحمته، وهل يخيب من رجاه، وهل يضيع من تولاه- ومن هذه اللحظات الحرجة تبدأ قصة بناء البيت، وقصة سعي الناس بين الصفا والمروة، كلما حجوا أو اعتمروا، وكلما طافوا بالبيت العتيق- ومن هنا كذلك تبدأ قصة زمزم، ذلك الماء العذب الزلال والبلسم الشافي للأسقام بإذن الله.
وإليكم القصة بتمامها- كما أخرجها البخاري في صحيحه- وهي قصة جديرة بالاهتمام، وجديرة بالتذكر، كلما سعى الناس بين الصفا والمروة، وكلما شربوا من زمزم، حتى لا تكون المشاعر مجردة من الفقه والإيمان، وحتى لا يكون الحج مجرد طقوس يقلد الأحفاد فيها الأجداد، دون علم أو بصيرة أو هدى. عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس: (أول ما اتخذ النساء المنطَقَ من قِبَل أم إسماعيل اتخذت منطقًا لتعفي أثرها عن سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها- وهي ترضعه- حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعها هناك، ووضع جرابًا فيه تمرٌ وسقاء فيه