للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان عن دواعي الانتقام سُميَ عفوًا، وإن كان عن إجابة داعي الإمساك والبخل سُميَ جُودًا .. وهكذا بقية الأخلاق فله عند كلِّ فعلٍ وتركٍ اسمٌ يخصه بحسب متعلقه، والاسم الجامع لذلك كلَّه (الصبر) فأكرِمْ به من خلق وما أوسع معناه، وأعظم حقيقته (١).

والصبر ملازم للإنسان في حياته كلِّها وفي حال فعل الطاعات أو ترك المعاصي، وحين نزول البلاء.

قال السعدي يرحمه الله؟ فالصبر هو المعونة العظيمة على كلِّ أمر، فلا سبيل لغير الصابر أن يدرك مطلوبه، وخصوصًا الطاعات الشاقة المستمرة، فإنها مفتقرة أشد الافتقار إلى تحمل الصبر وتقع المرارة الشاقة، وكذلك المعصية التي تشتدُّ دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محلِّ قدرة العبد، وكذلك البلاء الشاق خصوصًا إن استمر فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسديةُ ويوجد مقتضاها وهو التسخط إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله والتوكل عليه (٢) ..

أيها المسلمون، ويظنُّ الناس أن الصبر يُحتاج إليه في وقت الضراءِ فحسب، والعارفون يرون الصبر في حال السراء أشد، قال بعض السلف: (البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون)، وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (ابتلينا بالضراءِ فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر) (٣).

ويقول ابن القيم رحمه الله: وإنما كان الصبر على السراء شديدًا لأنه مقرونٌ بالقدرة، والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضوره (٤) ..


(١) عدة الصابرين/ ٢٧، ٢٨.
(٢) تفسير كلام المنان ١/ ١٧٦.
(٣) أخرجه الترمذي وحسنه ٤/ ٢٤٦٤. عدة الصابرين/ ٩٨.
(٤) عدة الصابرين/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>