للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصبر في حال السراء والضراء يرشدك إلى اقتران الصبر والشكر وحاجتك إلى كليهما، قال بعض الأئمة: (الصبر يستلزم الشكر، لا يتم إلا به، وبالعكس، فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر، فمن كان في نعمةٍ ففرضه الشكر والصبر، أما الشكر فواضح، وأما الصبرُ فعن المعصية، ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر، أما الصبر فواضحٍ، وأما الشكر فالقيام بحقِّ الله عليه في تلك البلية فإنَّ لله على العبد عبوديةً في البلاء، كما له عبوديةً في النعماء) (١).

يا أخا الإسلام، وإذا علمت أنك محتاج للصبر في حال السراء والضراء، وفي حال النعمة أو البلِّية، فاعلم كذلك أنك محتاج للصبر قبل العمل وأثناء العمل، وبعده، فإن قلت وكيف ذلك؟ أُجبتَ: بأن حاجتك للصبر قبل الشروع في العمل تكون بتصحيح النية والإخلاص وتجنب دواعي الرياء والسمعة وعقد العزم على توفية المأمورية حقَّها، أما الصبر حال العمل فيلازم العبد الصبر عن دواعي التقصير والتفريط فيه، ويلازم الصبر على استصحاب ذكر النية وعلى حضور القلب بين يدي المعبود، أما الصبر بعد الفراغ من العمل فذلك بتصبير نفسه عن الإتيان بما يبطل عمله، وعلى عدم العُجب بما عمل والتكبر والتعظم بها فإن هذا أضرُّ عليه من كثير من المعاصي الظاهرة، وأن يصبر كذلك على عدم نقلها من ديوان السرِّ إلى ديوان العلانية، فإنَّ العبد يعمل العمل سرًا بينه وبين الله سبحانه فيكتب في ديوان السرِّ، فإن تحدث به نُقل إلى ديوان العلانية فلا يظنُّ أن بساط الصبر انطوى بالفراغ من العمل.

وهذا تقرير نفيس فافهمه واحرص عليه (٢).


(١) ابن حجر: فتح الباري ١١/ ٢٠٥.
(٢) عدة الصابرين/ ١٠٠، ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>