للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يحدث من المصيبة، بتكفير خطاياه، أما الثواب فإنما يكون على الأعمال الاختيارية، وما يتولد عنها (١).

وأعلى من هذا النوع ما يصيب المرء باختياره، طاعةً لله، وامتثالاً لأمره، واحتسابًا لما يصيبه من مكروه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، يرحمه الله: (وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه، وطُلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان، وان لم يفعل أوذي وعوقب، فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه: إما الحبس، وإما الخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يُعَذَبون ويُؤذون ...

وهذا أشرف النوعين، وأهله أعظم درجةً، فإنهم إنما أُصيبوا وأُوذوا باختيارهم طاعةً لله فيثابون على نفس المصيبة، ويُكتب لهم بها عملٌ صالحٌ، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (٢) إلى أن يقول الشيخ، رحمه الله: فالذين يُؤذون على الإيمان، وطاعة الله ورسوله، ويحدث لهم بسبب ذلك حرج أو مرض، أو حبسٌ أو فراق وطن، وذهاب مالٍ وأهل، أو ضربٌ أو شتمٌ، أو نقص رياسة ومال، هم في ذلك على طريقة الأنبياء وأتباعهم كالمهاجرين الأولين (٣).

إخوة الإيمان، وكذلك تتفاوت مراتب الناس على الصبر على المقدور،


(١) الفتاوى ١٠/ ١٢٤.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٢٠.
(٣) الفتاوى ١٠/ ١٢٢، ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>