واختيار معالي الأمور، فمن الناس من يجزع للمقدور ليس منه مفر، ومنهم من يسلم لما ليس له فيه اختيار ويصبر عليه ويحتسب، وأصحاب القدح المعلى، والدرجات العلى، هم أولئك الذين يختارون بمحض إرادتهم الصبر على الأذية في سبيل نصرة الملة. وفي هذه المرتبة العلية عزاءٌ لمن ابتلي من أهل السنة، فصبر واحتسب، وحضٌّ لمن يضنون بالجهاد بأنفسهم في سبيل نصرة دينهم خشية أن يؤذوا ويُتَّهموا ... شريطة ألا يعرضوا أنفسهم للبلاء لما يطيقون وألا يتمنوا لقاء العدو.
نسأل الله لكل مبتلى العفو والعافية والثبات على الحق والنصرة.
أيها المسلمون، وثمة تقسيمٌ آخر للناس إذا ما حلَّت بهم المصائب الكونية القدرية، فهم ينقسمون حسب صبرهم وتقواهم إلى أربعة أقسام:
أحدها: أهل التقوى والصبر، وهم الذين أنعم الله عليهم من أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
والثاني: الذين لهم نوع من التقوى بلا صبر، مثل الذين يمتثلون ما عليهم من الصلاة ونحوها، ويتركون المحرمات، لكن إذا أُصيب أحدهم في بدنه بمرض ونحوه أو في ماله أو في عرضه أو اُبتلى بعدو يخيفه عظم جزعه، وظهر هلعه.
والقسم الثالث: قوم لهم نوع من الصبر بلا تقوى، مثل الفجار الذين يصبرون على ما يصيبهم في مثل أهوائهم كاللصوص والقطاع الذين يصبرون على الآلام فيما يطلبون من أخذ الحرام، والكتاب وأهل الديوان الذين يصبرون على ذلك في طلب ما يحصل لهم من الأموال بالخيانة وغيرها، وكذلك طلاب الرئاسة والعلو على غيرهم، يصبرون مع ذلك على أنواع من الأذى، لا يصبر عليها أكثر الناس، لكن دون تقوى تميُّز لهم بين المأمور والمحظور.