للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القسم الرابع: فهم شر الأقسام، لا ييقون إذا قدروا، ولا يصبرون إذا ابتلوا، بل هم كما قال تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (١). وهؤلاء تجدهم من أظلم الناس وأجبرهم إذا قدروا، ومن أذلِّ الناس وأجزعهم إذا قُهروا، إن قهَرْتهم ذلوا لك ونافقوك، وحاَبَوك واسترحموك، وإن قهروك كانوا من أظلم الناس، وأقساهم قلبًا، وأقلَّهم رحمةً وإحسانًا وعفوًا ... مثل التتار الذين قاتلهم المسلمون، وَمَن يشبههم في كثير من أُمورهم، وإن كان متظاهرًا بلباس جند المسلمين وعلمائهم وزهادهم وتجارهم وصنَّاعهم، فالاعتبار بالحقائق، فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) (٢).

هكذا يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية، يرحمه الله، ويبين أحوال الناس في الصبر والتقوى، والمؤمن من وفقه الله، والمخذول من خذله الله.

يا أخا الإسلام، إذا أردت أن تمتحن صبرك فانظر في نفسك، وهل أنت واقع في شيء من الأمور المضادة للصبر؟ وقد ذكر أهل العلم من الأمور المضادة للصبر ما يلي: الشكوى إلى المخلوق على وجه التسخط والاسترحام، وقد قيل: من شكا ربه إلى مخلوق مثله فقد شكا من يرحمه إلى من لا يرحمه، أما الشكوى لله، أو لمخلوق على وجه الاسترشاد والتوصل إلى زوال ضرره فلا يقدح في الصبر (٣).

ومع ذلك فمن يشتكي ربه، وهو بخير فهو أمقت الخلق عند الله، روى الإمام


(١) سورة المعارج، الآيات: ١٩ - ٢١.
(٢) الفتاوى ١٠/ ٦٧٣ - ٦٧٤.
(٣) عدة الصابرين، ابن القيم/ ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>