للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكرر عليَّ، لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة فما شكوتها إلى أحد (١).

٤ - ويضاد الصبر- كذلك- الهلع. وهو: الجزع عند ورود المصيبة، والمنع عند ذهابها، كما قال تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (٢). قال الجوهري: الهلع: أفحش الجزع (٣).

يا أخا الإيمان، وإذا سلمك الله من هذه الآفات المضادة للصبر، فاعلم أنك محتاجٌ على الدوام لمنازلة الأعداء، وفي مقدمتهم الشيطان الرجيم، وسلاحك في ذلك: الصبر والصابرة، والمرابطة والتقوى، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٤).

يقول ابن القيم، رحمه الله: ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة، فلا يتم لنا الصبر إلا بمصابرة العدو، وهي مقاومته ومنازلته، فإذا صابر عدوه احتاج إنما أمر آخر، وهو المرابطة، وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو، ولزوم ثغر العين والأذن واللسان والبطن واليد والرجل، فهذه الثغور، منها يدخل العدو فيجوس خلال الديار، ويفسد ما قدر عليه، فالمرابطة لزوم الثغر فلا يخلي مكانه، فيصادف العدو الثغر خاليًا فيدخل منه ... وإذا كان خيرة الخلق، بعد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم حين أخلَوا المكان الذي أُمروا بلزومه يوم أحد دخل منه العدو، فكان ما كان، فلا تسأل عن غيرهم، واعلم أن جماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به وهو: تقوى الله


(١) المصدر السابق/ ٤٢١.
(٢) سورة المعارج، الآيات: ٩ ا-٢١.
(٣) المصدر السابق/ ٤٢١.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>