للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلماتهم سراجًا يضيء الطريق للسالكين، ويذكر الأحياء بجهاد الأموات السابقين، إنها الحياة الممتدة للموتى، والذكر للمرء عمر ثان؟

أفيعجز الأحياء عن مقارعة الباطل بالكلمة الصادقة، والحوار المقنع، وجهادُ الكلمة ضربٌ من ضروب الجهاد، لا يقل أثرًا عن جهاد النفس والمال، كما قال عليه الصلاة والسلام «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) (١).

ألا ما أحوجنا إلى جهاد الكلمة حين تروج الشائعات الكاذبة، وتُطلُّ الفتن المضللة، ونحتاج إلى أمان الكلمة للدفاع عن عرض مسلم مظلوم، أو لردع ظالمٍ غشوم، وتتعاظم مسؤولية الكلمة حين يتبجَّح المتفيهقون، ويتصدرون زمام المجالس، ومراكز القيادة، وتشتد الحاجة لقول كلمة الحق، حين يسكت العلماء، ويحار العقلاء، في وقت يتنمر فيه المنافقون، وينطق السفهاء؟ ما أحوجنا لكلمة الحق حين تطال التهمة الأبرياء، وتحارَب الفضيلة علنًا، وحين تضعف الغيرة لدين الله، ويلهث الناس وراء المادة، فيصل اللصوص إلى قلوب العامة ... ويلتبس الحق بالباطل! وفي ظل هذه الظروف الصعبة لا يكفي التلاوم الشخصي، ولا يجدي النوح على الواقع المتردي، وليس بنافع ولا شافع عند الله ترحيل المسؤولية للآخرين، (فأنتَ وأنا وهو) كلٌّ مخاطبٌ بإنكار المنكر: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) والعقوبة إذا نزلت- لا سمح الله- تعم ولا تخص، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً} (٢). (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) وفي رواية


(١) الحديث رواه أحمد وأبو داود وغيرهم، بإسناد صحيح: صحيح الجامع ٣/ ٧٩.
(٢) سورة الأنفال، الآية: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>