أنسيت أيام الصبا، أم غرَّتك الدنيا؟ وهل يرد في مخيلتك أنك لم تمر بمرحلة الضعف والطفولة؟ أم تراك أعجبك الشباب والفتوة، وغرَّك التعليم والثقافة، فظننتَ المال والجاه مؤهلين للترفُّع وداعيين للتأفف والتبرُّم؟ !
قل لي بربك ماذا تراك تصنع؟ وبأي نوع من المعروف تكافئ لو قُدِّر أن إنسانًا وجدك في فدفد من الأرض مجردًا من الثياب، خلوًا من الطعام والشراب، قد آلمتك الغربة، وأوحشتك الطفولة، وأنت أضعف من أن تجلب لنفسك سببًا في الحياة، وأهون من أن تدفع عنها الممات، وأنت في تلك الحال لا تملك إلا البكاء، فهدى الله إليك من أشفق عليك، وأنزل رحمته في قلبه لك، فكساك بعد العري، وأطعمك وقد قاربت الممات، ثم استمر يتعهدك بالمطعم والمشرب، وهيَّأ لك السكن تتقي به حر الهواجر، وتستكن به من زمهرير الشتاء- وما زال هذا دأبه يحوطك بالرعاية، ويدفع عنك كل مكروه يستطيع دفعه- حتى اشتد ساعدك، واكتملت قوتك .. أتراك تقابل الإحسان بالإساءة؟ أم تتصدد عن أداء الواجب حين جاء وقته ... إنني أترك لك فرصة التفكير لتختار لنفسك ما تشاء؟
أيها المؤمنون، والمتأمل في أسباب العقوق يجدها نتيجة جهل ضلَّ صاحبه، أو سبب مال أو جاه غرَّ صاحبيهما، أو بسبب سوء خلق ودناءة طبع أَنْسَتْ الماضي، وأَسَرَتْ العاق في لحظته الحاضرة أو بسبب طاعة الزوجة والأبناء ... وربما وجدت في قائمة العاقين سفيهًا لم يعرف للوالدين حقهما، أو شيخًا متصابيًا أَنْسته السنون فضلهما، وأعجبه عقله واكتمال قوته ومعرفته في مقابل صنعهما، وغياب كثير من الأمور عن مدركاتهما، أو فقيرًا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فراح ينسب لهما أسباب فقره وقلقه، وينزل بهما جام غضبه، وربما كان سر فقره وقلقه عقوقه وعصيانه. أو غنيًا ضنَّ بماله،