عباد الله، لماذا نكره لقاء الله؟ لأننا لم نقدره حق قدره .. ولماذا نكره الموت؟ لأننا لم نستعد لما بعده ..
رحم الله أقوامًا خافوا فأدلجوا، وعاشوا للآخرة فلم تفتنهم الدنيا.
قدم- يومًا- ضرار بن ضَمرة على معاوية، رضي الله عنه، فقال له: صِف لي عليًّا، رضي الله عنه، قال: أوَ تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: بل تصفه لي، قال: أما إذا لابد، فإنه، والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان، والله، غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان، والله، كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدينا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن، والله، مع تقريبه لنا، وقربه منا، لا نكلِّمه هيبة، ولا نبتديه لعظمته، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مَثُل في محرابه قابضًا على لحيته، يتململ تململ السليم- يعني المريض- ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه، وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، أبي تعرضتِ؟ أم لي تشوَّقتِ، هيهات هيهات، غِرّي غيري، قد بتتكِ ثلاثًا، لا رجعة لي فيكِ، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آهٍ من قلَّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.