للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون، ومن أعظم الأسباب الجالبة لليقظة والمبعدة للغفلة أن يتخيل المرء مشاهد القيامة، وهو بعدُ في الدنيا، ويتصور منازل الأبرار، وما أعدَّ الله لهم من الحسنى، ومنازل الفجار، وسوء حالهم، وتلك، وربي، لا يتمالك المتقون أنفسهم حيالها من البكاء.

عن سوار أبي عبيدة قال: قالت لي امرأة عطاء السليمي: عاتبْ عطاءً في كثرة البكاء، فعاتبته فقال لي: (يا سوار، كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني ذكرت أهل النار، وما ينزل بهم من عذاب الله تمثلت لي نفسي بهم، فكيف بنفس تُغلّ يدها إلى عنقها، وتسحب إلى النار، ألا تصيح وتبكي؟ وكيف بنفس تُعذَّب، ألا تبكي؟ ويحك يا سوار، ما أقلَّ غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله! قال: فسكتُّ عنه) (١).

أيها المسلمون، وفي سبيل محاسبة أنفسكم هاكم هذه الوصية فاعقلوها، وأنصفوا أنفسكم من خلالها، وتناصحوا بينكم. فعن سفيان بن عيينه، رحمه الله، قال: كان الرجل من السلف يلقى الأخ من إخوانه فيقول: (يا هذا، اتق الله، وإن استطعتَ ألا تسيء إلى من تحب فافعل، فقال له رجل يومًا: وهل يسيء الإنسان إنما من يحب؟ قال: نعم، نفسك أعز الأنفس عليك، فإذا عصيتَ فقد أسأتَ إلى نفسك) (٢).

اللهم إنا نشهدك على محبة هؤلاء، وإن لم نلحق بهم، اللهم اسلك بنا طريقهم، واحشرنا في زمرتهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيَا


(١) صفوة الصفوة ٣/ ٣٢٧.
(٢) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ص ٨٨ عن: قل هو نبأ عظيم ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>