للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يستمعوا لهذا القرآن ويتدبروه فيسليه ربه ويعزيه، فتلك هي السنة الجارية قبله في جميع الرسالات، فلكل نبي أعداءٌ يهجرون الهدى الذي يجيئهم به، ويصدون عن سبيل الله ... ولله الحكمة البالغة، فإن بروز المجرمين لحرب الأنبياء والدعوات يقوِّي عودها، ويطبعها بطابع الجد الذي يناسب طبيعتها، وكفاح أصحاب الدعوات للمجرمين الذين يتصدون لها- مهما كلَّفهم من مشقة، وكلَّف الدعوات من تعويق- هو الذي يميز الدعوات الحقة من الدعاوى الزائفة، وهو الذي يمحص القائمين عليها، ويطرد الزائفين منهم، فلا يبقى بجوارها إلا العناصر المؤمنة القوية المتجردة التي لا تبتغي مغانم قريبة، ولا تريد إلا الدعوة خالصة تبتغي بها وجه الله تعالى.

ولو كانت الدعوات سهلة ميسورة، تسلك طريقًا ممهدة مفروشة بالأزهار، ولا يبرز لها في الطريق خصوم ومعارضون، ولا يتعرض لها المكذبون والمعاندون، لسهل على كل إنسان أن يكون صاحبَ دعوة، ولاختلطت دعوات الحق ودعاوى الباطل، ووقعت البلبلة والفتنة، ولكن بروز الخصوم والأعداء للدعوات هو الذي يجعل الكفاح لانتصارها حتمًا مقضيًا، ويجعل الآلام والتضحيات لها وقودًا .. إلخ كلامه (١).

أيها المسلمون، وهكذا تكشف الآية عن عظم هجر القرآن أفرادًا أو جماعات، شعوبًا أو حكومات، وإذا رأيت في مجتمع المسلمين عددًا من المخالفات لهدي القرآن ظاهرًا، وعددًا من التجاوزات لتعاليم الإسلام واضحًا، وزهدًا بسنة محمد صلى الله عليه وسلم صراحةً أو خداعًا، واستيرادًا للقوانين الوضعية، ووضعها للناس حكمًا، فاعلم أن ذلك من هجر القرآن، وتذكر حينها


(١) الظلال ٥/ ٢٥٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>