للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرنج والنصارى، قد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيرًا بنعلٍ ليلبسها في رجله، وجرت أمورٌ لم يُسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين، كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله (١).

وفي أثر هذه المعركة انكسرت شوكة النصارى، وحنق قادتهم، وخافوا أن يفلت زمام بيت المقدس من أيديهم، فجمعوا جموعهم، وألَّبوا رجالاتهم، وأعدوا عدتهم .. أما صلاح الدين فزاده الله شرفًا، وطار صيته في الآفاق، ولم تقف همته عند هذا، بل كان فتح بيت المقدس حلمًا يراوده، وهدفًا يسعى إليه: (وطار في الناس أن السلطان عازمٌ على فتح بيت المقدس، فقصده العلماء والصالحون تطوعًا، فاجتمع له من عباد الله ومن الجيوش شيء كثير جدًا (٢)،

فقصد بهم في ملحمة، لا يزال اليهود والنصارى يذكرونها، ويذكرون معها صلاح الدين بكل عزَّة وافتخار، وكيف لا تكون الملحمة كبيرةً والذين يدافعون عن بيت المقدس من النصارى ستون ألف مقاتل أو يزيدون، وقد حصِّنت تحصينًا شديدًا، فوكل صلاح الدين إلى طائفةٍ من جيشه ناحيةً من السور وأبراجه، وبقي الحصار، وقُتل من قتل فيه من المسلمين، فاشتد صلاح الدين ورجاله، وقصدوا الزاوية الشمالية الشرقية من السور، فنقبوها، ثم حشوها، وأحرقوا فيها فسقط ذلك الجانب، وخرج البرج برمته، فإذا هو واجب، فلما شاهد الفرنج ذلك، وأحسوا بالهزيمة قصد أكابرهم السلطان وتشفَّعوا إليه أن يعطيهم الأمان فامتنع من ذلك وقال: لا أفتحها إلا عنوةً كما اقتحمتموها أنتم عنوةً، ولا أترك بها أحدًا من النصارى إلا قتلته كما قتلتم أنتم من كان بها من المسلمين، فطلب صاحب القدس الأمان ليحضر عند صلاح الدين، فلما أمنه،


(١) البداية والنهاية ١٢/ ٣٤١.
(٢) البداية والنهاية ١٢/ ٣٤٢ ..

<<  <  ج: ص:  >  >>