نتوقع أن الحال ستتغير بين غمضة عين وانتباهتها .. نعم، إن الله قادر على كل شيء، وإذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، لكنه تعالى علَّمنا من سننه الكونية القدرية أن دولةً ما لا تسقط حتى تستحكم فيها أسباب السقوط، ولا ترتفع دولة أخرى أو أمة من الأمم من غفوتها إلا حين تستجمع أسباب اليقظة، وتستكمل أسباب النصر، وإذا كانت تُحاسَب على الخطأ الاجتهادي، يقع من فئةٍ من رجالها، والنبي، صلى الله عليه وسلم، حاضر فيها:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}(١). فكيف إذا كانت الأمة دون ذلك؟ وكيف إذا كان الخطر أكبر من ذلك؟ وكيف إذا كان المخطئون كثيرًا؟
وهنا درسٌ رابع لابد أن نعيه، وهو أن بعض الناس، حين يتحدث الغيورون عن كثرة الفساد والمفسدين، وضعف الدول وهوان المجتمعات، واستعمار الدول وضياع المقدسات، وحين يتحسرون على الهزائم المذلة، ويتوجهون للضربات المتتالية، حين يحصل هذا أو مثله من الأخيار الغيورين على الدين والحرمات، يظن بعض الناس أن هؤلاء يتجاهلون الواقع بكل ما فيه، أو يدعون لمثاليات لا قبَل للناس بها، أو يراهنون على نصر ينبغي ألا يتجاوز بعض أيام أو ساعات! كلا فليس الأمر كذلك، وإنما يدعو هؤلاء إلى تشخيص الداء بكل شجاعةٍ وصراحة ترفع عن الأمة داء التحذير والمخادعة، ويدعون كذلك إلى رسم الدواء بكل أمانةٍ وجدية، بعيدًا عن الأماني الحلوة، والوعود المخدرة ليس إلا؛ ينادون بالأخذ بأسباب القوة، ويطمحون إلى أن تتلمس الأمة الطريق للخروج من الأزمة، فيربى الناس على العبودية لله وحده، وعلى الولاء لله وحده، وعلى التوكل عليه وحده، ينادون بأن تجمع طاقات الأمة ولا يهدر شيء