المؤمنين بدار الهجرة، فكيف بدأت هذه الرحلة كيف كانت نهايتها؟ وما هي أبرز الدروس والعبر فيها؟
لقد سبقت هجرة المؤمنين، وتأخر الرسول، صلى الله عليه وسلم، حتى جاءه الإذن من ربه، وحين جاءه الإذن بالهجرة جاء إلى بيت أبي بكر، رضي الله عنه، متقنّعًا، وفي ساعة لم يكن يأتيه فيها، وذلك في نحر الظهيرة، فاستقبله أبو بكر: رضي الله عنه، وقال: فداك أبي وأمي، والله ما جاء بك في هذه الساعة إلا أمر؛ فقال له الذي، صلى الله عليه وسلم: أخرجْ مَن عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك- يعني عائشة رضي الله عنها وكان قد زوجه إياها- فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه، فإنه قد أُذن لي بالهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: نعم، تقول أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، فجهزناهما أحث الجهاز، ووضعنا لهم سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنها، قطعةً من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، وبذلك سُميت: ذات النطاقين.
قالت: ثم لحق رسوله الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر- وهو غلام شاب ثقِفٌ لقٌ- فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح من قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يُكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة- مولى أبي بكر- منحة من غنم، فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل- وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، حتى استأجرا رجلاً ماهرًا خريتًا ليصحبهما في الطريق (١).
(١) صحيح البخاري ٣/ ٢٤، ٤/ ٢٥٥، ٥/ ٤٣ .. وغير ذلك من المواضع.