وحديث مؤامرة المشركين على النبي، صلى الله عليه وسلم، في الهجرة حديثٌ مؤلمٌ محزن بكل ما تحمله هذه الكلمات من معان، فهو نوع من الغدر والخيانة، وهو أسلوب من أساليب العنجهية والفظاظة، وهو جهل بحاجتهم إلى رسالة السماء، وهو خروج على المألوف في حماية القريب والذود عنه، ونسيان لحق العشيرة والقرابة.
إنه مؤلمٌ بكل المقاييس، ومُبْكِ للصغير والكبير، والقريب والبعيد، وحُقَّ لعين تتأمل الحدثَ وما فيه أن تبكيَ وتُبكي الآخرين.
وهذه فاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وسلم، دخلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي تبكي، فقال ما يُبكيكِ يا بُنَيَّة؟ قالت: يا أبتِ مالي لا أبكي، وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليكَ فيقتلوك، وليس فيهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بُنية ائتني بوَضوء، فتوضأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى المسجد، فلمَّا رأوه قالوا: إنما هو ذا فطأطأوا رؤوسهم، وسقطت أذقانهم بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم، فتناول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبضةً من تراب، فحصبهم بها، وقالت: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم حصاةٌ من حصيلته إلا قِتلَ يومَ بدر كافرًا (١).
إخوة الإسلام، وكما يُبكي الحدَث ويُحزن، فهو من جانبه الآخر يسلي ويسري عن المؤمنين الذي يُضطهدون ويُطارَدون عبر القرون المتلاحقة، وفوق كل أرض، وتحت كل سماء ... فهذا قدوتهم يطارد ويلاحق، ثم هو يصبر ويصابر حتى نصره الله، وأظهر به الهدى والحق على رغم أنوف الكافرين.
(١) كما روى ذلك ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ولا أعرف له علة (انظر تفسير ابن كثير ٣/ ٥٨).