ماهرًا بدروب الصحراء، خبيرًا بالطرق غير المسلوكة، ويكون دليلهم، عبد الله بن أُريقط، وكان قد غمس حلفًا في العاص ابن وائل السهمي، وهو على دين الكفار، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال.
وفي الطريق تظهر آيات ومعجزات، تكشف عن إكرام الله لنبيه، وتيسير أمره، وهذا أبو بكر، رضي الله عنه، يقول: لقد أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق، فلا يمر به أحد حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لا تأت عليه الشمس بعدُ، فنزلنا عندها .. وجاءها راعي غنم يريد منها الذي يريدون، وكأنما ساقه الله لهم ليشربوا من لبن غنمه، بعد أن يستريحوا بظل الصخرة، هم وإيّاه (١).
أما المعجزة الأخرى، والآية العظمى، والدليل الأبلج على حماية الله لأوليائه فيتمثَّل في قصتهم مع سراقة ... وهو الرجل الذي تستهويه الجائزة التي رصدتها قريش لمن أتى بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيًّا أو ميتًا، فيمتطي صهوة جواده، ويطوي الأرض طيًا حتى يقترب من النبي، صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأبو بكر، رضي الله عنه، يكثر الالتفات مخافة على النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول ثابت واثق بربه لا يلتفت، فلما اقترب منهم سراقة قال أبو بكر: أُتِينا يا نبي الله .. فلما اقترب أكثر ساخت قوائم فرسه في الأرض، ثم انتشلها .. فلما ركب في أثرهما ساخت أقدام الخيل مرة أخرى .. يقول سراقة: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره، فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار، قال سراقة: فعرفت، حين رأيت ذلك، أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر، قال: فناديتُ القوم فقلت: أنا سراقة، انظروني