للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش بغير إذن وليه، يُرد، ولو كان مسلمًا فارًا بدينه. ومن جاء قريشًا من المسلمين يُقبل ولا يُرد - إلى غير ذلك من بنود الصلح، الأمر الذي تذمَّر منه المسلمون وتألموا له، وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم يتمالك نفسه حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألسنا على الحقِّ وهم على الباطل؟ فقال: «بلى»، فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: «بلى»، قال (عمر) فعلامَ نُعطي الدنيةَ في ديننا؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا ابن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدًا» .. ثم ذهب إلى أبي بكر، وقال له نحوًا من ذلك (١).

أما رواية ابنِ إسحاق فقد جاء فيها: أن المسلمين حين رأوا ما رأوا من الصلح، وما تحمَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه دخل الناسُ من ذلك أمرٌ عظيم حتى كادوا أن يهلكوا .. (٢).

ومع ذلك فقد انجلت هذه الشدةُ التي كرهها المسلمون في البداية وتحولت- بقضاء الله وتقديره- إلى فتح مبين، ونزلت البشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك قبل أن يصل المدينة قافلًا بقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة (الفتح) إلى آخرِها على عمر، فقال: يا رسول الله: أو فتح هو؟ قال: «نعم» (٣).

إخوة الإيمان! وإذا كان هذا فيما تكرهه النفسُ وفيه الخير لها، ففي ما تحبه النفوس وإن كان فيه ضيرٌ عليها، يحدثنا الإمام القرطبيُ يرحمه الله عن واقع مُرٍّ ابتلي به المسلمون في بلاد الأندلُس، ويقول هو يُفسر قوله تعالى: {كُتِبَ


(١) هذه رواية البخاري ح ٣١٨٢ كتاب الجزية.
(٢) ابن هشام ٣/ ٣٠٨، ومسند أحمد ٤/ ٣٢٥، ومرويات الحديبية ص ١٧٢.
(٣) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>