للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} (١).

ويطول ذكر سير الشاكرين .. ولكنه خُلقُ الأنبياء والتابعين لهم بإحسان، قال رجلٌ لابن تيمية يرحمه الله: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين، لا أدري أيتهُما أفضل، ذنوبٌ سترها الله فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي» (٢).

بل كان الصالحون يتجاوزون بشكرهم خاصة أنفسهم، ويفرحون بالنعمة يهبها الله لإخوانهم المسلمين؛ نصرةً للدين، وإعلاءً لشأن المسلمين. وفي هذا ذكر عبد الله بن المبارك يرحمه الله أن (النجاشي) يرحمه الله أرسل ذات يومٍ إلى جعفر وأصحابه، فدخلوا عليه، وهو في بيتٍ، عليه خلقان، جالسٌ على التراب، قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى ما في وجوهنا قال: إني أُبشركم بما يسركم، إنه جاءني من نحو أرضكم عينٌ لي، فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان، وقتل فلانٌ وفلان بواد يقال له (بدر) .. حتى قال له جعفر: ما بالك جالسًا على التراب، ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام: أن حقًا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعًا عندما أحدث الله لهم من نعمه، فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع (٣).

يا أخا الإسلام! العلم نافذة تفتح لك آفاقًا واسعةً في الشكر، ويدرك العالمون الربانيون من آلاء الله ونعمه، مما يستوجب الشكر ما يفوق غيرهم، بل


(١) سورة الأعراف، آية: ١٤٤.
(٢) عدة الصابرين ص ١٩٩.
(٣) عدة الصابرين ص ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>