للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون! أما أهلُ الإيمان وأصحاب القلوب الحية الخاشعة فأولئك الذين أنعم الله عليهم وشرح صدورهم، وهم على نورٍ من ربهم، كما قال تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} (١).

ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله: كيف انشراحُ الصدر؟ قال: «إذا دخل النور القلبَ انشرح وانفتح»، قلنا: يا رسول الله: وما علامة ذلك؟ قال: «الإنابةُ إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله».

وفي الحديث الآخر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا قال: «يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم له استعدادًا، وإذا دخل النورُ في القلب انفسح واستوسع» قالوا: فما آية ذلك؟ .» فذكر الخصال الثلاث.

قال القرطبي- معلقًا على الخصال التي بها يُستحصل على انشراح الصدر-: ولا شك أن من كانت فيه هذه الخصال فهو الكامل الإيمان، فإن الإنابة إنما هي أعمال البر، لأن دار الخلود إنما وضعت جراءً لأعمال البر .. فإذا جدَّ العبدُ في أعمال البر فهو إنابتُه إلى دار الخلود، وإذا خمد حرصُه عن الدنيا ولها عن طلبها وأقبل على ما نعنيه منها فاكتفى به وقنع فقد تجافى عن دار الغرور، وإذا أحكم أموره بالتقوى، فكان ناظرًا في كل أمر واقفًا متأدبًا متثبتًا حذرًا، يتورع عما يريبه إلى ما لا يريبه فقد استعد للموت، فهذه علامتهم في الظاهر (٢).

عباد الله إذا كان للقسوة مظاهرها وآثارها على أصحابها، فللرقة والخشوع


(١) سورة الزمر، آية: ٢٢.
(٢) تفسير القرطبي ١٥/ ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>