للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأسود تحصدهم في غداة واحدة، أي والله، إني لامرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم لك» (١).

إنه الدفع المستميتُ عن اليهود يصنعه المنافقون، ولو غضب لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحرصُ الشديدُ على سلامتهم ولو كان في بقائهم شرٌ وبلاءٌ مستطير، والمنافقون لا يثقون بقوتهم الخاصة، ولا يثقون إلا باليهود تحسبًا لوقوع الدوائر ..

ولئن عفى رسولُ الهدى عليه الصلاة والسلام عن ابن أبي، وتكرم بترك قتلهم استجابةً لمطلب هذا المنافق اللئيم .. فقد تولى اللهُ كشف الحقائق، واقتضت حكمته أن يكشف عن العلاقة بين اليهود والمنافقين في كل زمان ومكان، ونزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (٢).

أجل لقد تتابعت آياتُ القرآنِ الكريم تكشف ما بين اليهود والمنافقين من ودٍّ وتعاون، وإخاءٍ نصَّ الله عليه بقوله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} (٣).

ويأبى الله إلا أن تتكشف حقيقةُ النفاق، وينفضحَ المنافقون إثر علاقاتهم المريبة مع اليهود على مرِّ العصور واختلاف الزمانِ والمكان.


(١) السيرة لابن هشام، صحيح السيرة النبوية؛ إبراهيم العلي ص ١٩٨.
(٢) سورة المائدة، الآيتان: ٥١، ٥٢.
(٣) سورة الحشر، آية: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>