أيها المسلمون: حريٌّ بكم أن تقفوا مع أنفسكم محاسبين على الدوام، وأن يزيدَ في تذكركم ومحاسبتكم لأنفسكم انصرام عامٍ ومجيء عام.
كم نلهوا ونغفل، وكم نعظم من أمر الدنيا ما هو أحقرُ وأذل، وكم نزهد في عمل الآخرة وهي أكرمُ وأبقى والباقيات الصالحات خير عند ربِّك ثوابًا وخيرٌ أملًا.
عبادَ الله كتب الحسنُ البصريُّ يرحمه الله إلى عمرَ بن عبد العزيز يرحمه الله، يدعوه للتفكر، ويذكره بحقيقة الدنيا وحقارتها ويحذره من الاغترار بها، . ومما قاله:
اعلم أن التفكرَ يدعو الخير والعمل به، والندمُ على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى وإن كان كثيرًا يعدل ما يبقى وإن كان طلبهُ عزيزًا، واحتمال المؤُونةِ المنقطعةِ التي تعقبها الراحةُ الطويلةُ خيرٌ من تعجيلِ راحةٍ منقطعة تعقبها مؤونةُ باقيةٌ، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة، التي غرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها .. إلى أن يقول: فاحذرها فإن أمانيها كاذبةٌ، وإن آمالها باطلة، عيشُها نكدٌ، وصفوها كدرٌ، وأنت منها على خطر، إما نعمةٌ زائلة، وإما بليةٌ نازلة. وإما مصيبةٌ موجعة، وإما منيةٌ قاضية .. فلو كان الخالقُ تعالى لم يخبرْ عنها بخبر، ولم يضربْ لها مثلًا، ولم يأمرْ فيها بزهد، لكانت الدارُ قد أيقظت النائمَ، ونبهت الغافلَ، فكيف وقد جاء من الله تعالى عنها زاجرٌ، وفيها واعظ، فما لها عند الله عز وجل قدرٌ .. ثم يقول مشخصًا أيام الدنيا: وإنما الدنيا إذا فكرت