للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها ثلاثةُ أيام: يومٌ مضى لا ترجوه، ويوم أنت فيه ينبغي لك أن تغتنمه، ويوم يأتي لا تدري أنت من أهله أم لا، ولا تدري لعلك تموتُ قبله، فأما أمس فحكيمٌ مؤدب، وأما اليوم فصديقٌ مودع، غير أن أمس وإن كان قد فجعك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته، وإن كنتَ قد أضعته فقد جاءك خلفٌ منه، وقد كان عنك طويل الغيبة، وهو الآن عنك سريع الرحلة، وغدًا أيضًا في يديك فيه أملُه، فخذِ الثقةَ بالعمل، واترك الغرور بالأمل قبل حلول الأجل .. ولو أن الأمل في غدكِ خرج من قلبك أحسنت اليوم في عملك، واقتصرت لهمِّ يومك غير أن الأملَ منك في الغد دعاك إلى التفريط ودعاك للمزيد في الطلب ... » (١).

إخوة الإسلام: تعيشون هذه الأيام نهاية عامٍ مضى بما فيه، أفلح العاملون السائرون إلى الله .. وخاب وخسر المبطلون، عامٌ مضى بأحزانه وأفراحِه، وسرَّائه وضرائه .. عُدْ بذاكرتك قليلًا إلى ما مضى، وانظر ما قدمت فيه من عمل صالح فاشكر الله عليه، واسأله القبول وما عملت من سوءٍ فتأسف واندم عليه فقد قيل: إن الندمَ توبة. واختم ما بقي من العام بالاستغفار، والتوبة النصوح، واعمل صالحًا تختمُ به العامَ المنصرم.

أما عامك الجديد فاستقبله بالعزيمة الصادقة على عمل الصالحات، واستفد مما مضى عبرةً لما تستقبله، فما الدنيا إلا ساعةٌ بين ساعتين، ساعةٌ ماضيةٌ، وساعةٌ آتية، وساعةُ أنت فيها، فأما الماضيةُ والباقيةُ فليس تجدُ لراحتهما لذَّةً ولا لبلائهما ألمًا، وإنما الدنيا ساعة أنت فيها، فخدعتك تلك الساعةُ عن الجنةِ وصيرتك إلى النار، وإنما اليومُ إن عقلت ضيفٌ نزل بك وهو مرتحل عنك، فإن أحسنت نُزله وقراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصَدَق فيك، وإن أسأت ضيافته


(١) حلية الأولياء ٢/ ١٣٤ - ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>