للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تُحسن قراه جال في عينيك، وهما يومان بمنزلة الأخوين نزل بك أحدُهما فأسأت إليه ولم تُحسن قراه فيما بينك وبينه، فجاءك الآخرُ بعده فقال: إني قد جئتك بعد أخي فإنَّ إحسانك إليَّ يمحو إساءتك إليه ويغفر لك ما صنعت، فدوُنك إذ نزلتُ بك وجئتك بعد أخي المرتحلِ عنك، فلقد ظفرت بخُلفٍ منه إن عقلت، فَدَارِكْ ما قد أضعت، وإن ألحقت الآخرَ بالأول فما أخلَقَك أن تهلكَ لشهادتهما عليك (١).

يا أخا الإسلام: مجردُ التحسر على ماضٍ مطيةُ الكسالى والعاجزين. والهمةُ والعزيمة على العملِ في الحاضر والمستقبل سيما أهلِ الجد والصدق واليقين .. ودونك تشخيصُ العارفين بما بقي من العمر وقيمته .. فقد قالوا: إنَّ الذي بقي من العمر لا ثمن له ولا عدلَ، فلو جُمعت الدنيا كلها ما عدلَت يومًا بقي من عمرِ صاحبه، فلا تبع اليومَ ولا تعدلْه من الدنيا بغير ثمنه، ولا تكوننَّ المقبورُ أعظمَ تعظيمًا لما في يديك منك وهو لك فلعمري لو أن مدفونًا في قبره قيل له: هذه الدنيا أولُها إلى آخرها تجعلها لولدك من بعدك يتنعمون فيها من ورائك فقد كنَتَ وليس لك همٌّ غيرهم، أحبُّ إليكَ أم يومٌ تُترك فيه تعملُ لنفسك لاختار ذلك (٢).

يا عبد الله اتعظ بمن مات، واستدرك ما فات وإياك وغرور الأماني، وأن توافيك المنيةُ على غير أهبةٍ واستعداد، جِدَّ في السير إلى مولاك، ولا يكن همُّك الدنيا وحطامُها .. ودونك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فاعتبره إذ يقول: «ما طلعت الشمسُ قطُّ إلا وبجنبتيها ملكان يناديان، يُسمعان مَنْ على الأرض غير الثقلين: أيها الناس هلموا إلى ربكم، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى» (٣).


(١) حلية الأولياء ٢/ ١٣٩.
(٢) حلية الأولياء ٢/ ١٣٩.
(٣) صحيح الأخبار في الزهد والرقائق، عمرو سليم ص ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>