الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه، فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. } فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد واحتمل خلافه لم تجز إساءة الظن، ومن علامة إساءة الظن أن يتغير قلبك فيه عما كان عليه، فتنفر منه، وتستثقله وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئته، فإن الشيطان قد يقرب إلى القلب بأدنى خيال مساوئ الناس ويلقي إليه إن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبهك، وأن المؤمن ينظر بنور الله، وإنما هو على التحقيق ناطق بغرور الشيطان وظلمته، وإن أخبرك عدل بذلك فلا تصدقه ولا تكذبه، لئلا تسيء الظن بأحدهما، ومهما خطر لك سوء في مسلم فزد في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك، فلا يلقى إليك مثله خيفة من اشتغالك بالدعاء له، ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة لا شك فيها فانصحه في السر، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه، فينظر إليك بعين التعظم وتنظر إليه بالاستصغار، ولكن أقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخلك نقص، وينبغي أن يكون تركه لذلك النقص بغير وعظك أحب إليك من تركه بوعظك .. ) (١).
هذه كلمات تفيض منها النور والبهاء .. تلك مقامات الأوفياء النجباء جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.