للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الأمة القوية والدولة المتماسكة العاملة بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي تستطيع أن تقيم الدين وترفع علم الجهاد، ومتى ما شغلت الأمة بهمومها، وانصرفت الدولة إلى تسكين الثائرة بين أبنائها، وتوطيد حكمها، فهي مشغولة عن جهاد عدوها. وحينما تنشغل الأمة بآلامها، وتضعف لتفرقها وتترك جهاد أعداء الدين، فلا ريب أن العدو يتربص بها، ويتسلط عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذ قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) (١).ومعنى الحديث: إن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح ما حازوه من البلاد. فالله لا يسلط الكفار على معظم المسلمين وجماعتهم وإمامهم ماداموا بضد هذه الأوصاف المذكورة في قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا. فأما إذا وجدت هذه الأوصاف فقد يسلط الكفار على جماعتهم ومعظمهم وإمامهم كما وقع (٢).فإن هذه الأمة لما جعل بأسها بينها تفرقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فاستولى (٣).

وحاضر العالم الإسلامي برهان واقع، وتاريخها الماضي أصدق شاهد؛ أنه متى عز المسلمون دينهم، وأقاموا شرع الله تعالى، وامتثلوا أمره ونهيه علماء وأمراء وعامة، وائتلفوا واجتمعوا صفا واحدا ضد عدوهم فهم الأعلون الغالبون.

أما إذا ضعف الامتثال لأمر الشريعة، وتفرقت الأمة واشتغلت بقتال بعضها بعضا، فهنا يتسلط العدو ويغلب وينتصر.


(١) رواه مسلم (٢٨٨٩).
(٢) انظر ((تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)) لسليمان بن عبد الوهاب (ص٣٢٤).
(٣) انظر ((إبطال التنديد شرح كتاب التوحيد)) لمحمد بن عتيق (ص١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>