للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو لا يكتفي بأن يعتبر تلك الحادثة "المشكلة الخطيرة الكبرى التي واجهت الأمة الإسلامية الفتية"، بل يرجع إليها أصل نشأة الفرق حين يقول: "ويبدأ التاريخ السياسي للشيعة بذلك النفر من كبار الصحابة، الذي ر أي عند اجتماع سقيفة بني ساعدة وبعدها أن علي بن أبي طالب أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقرابته من بيت النبوة ... واشتهر من هذا النفر أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والعباس وبنوه. وإذ رأوا أن علياً يفضل كلاً من أبي بكر وعمر في تولي منصب الخلافة".وهذا الكلام يتعارض وبدهيات التاريخ وحقائقه الثابتة سواء في بيعة الصديق (١) أوفي نشأة التشيع، اللهم إلا أن يكون مستقى من مصادر الشيعة وكفى بها كذباً وبهتاً. ومع ذلك فقد ورد في كتب بعض الباحثين!! وعلى رأسهم الأستاذ الكبير المتخصص علي سامي النشار (٢).

الثانية: أن انقسام الأمة حينئذ إلى سنة وشيعة وخوارج- كما أسلفنا- لا يعني أبداً تكافؤ هذه المناهج والفرق، سواء من جهة الكم أو الكيف كما يريد المستشرقون وأشياعهم أن يصوروا.

فهذه القسمة النظرية شيء والواقع شيء آخر، وذلك أن الخارجين عن السنة والجماعة لم يكونوا إلا شراذم شاذة وأفراداً معدودين، لا سيما في أول الأمر ولم يكن فيهم ذو فضل أو سابقة قط، بل كانوا كلهم من الأعراب وحديثي العهد بالإسلام، أو المنافقين من أبناء الأمم المفتوحة وأشباههم.

وعلى امتداد الثلاثة القرون المفضلة لم يكن أصحاب البدع إلا مستنقعات جانبية على ضفتي تيار الإسلام الضخم، ولم يكن فيها أحد من أئمة الإسلام المتبوعين ورجاله المعدودين قط.

بل إن البدع مهما نمت أو طفرت تظل كالشجرة الخبيثة، لا تكاد تهب عليها ريح السنة حتى تجتثها إلى قرار سحيق، ومن أعظم الأدلة على ذلك ما جري في فتنة الإمام أحمد وبعدها، من تبديل تام في موقف الدولة والعلماء حتى ذل المبتدعة واندحروا بعد الظهور والتمكين.

ومهما يكن من ظهور البدع في بعض العصور، فإن الحقيقة الثابتة هي أن نقاء المنهج السلفي في ذاته لم يتكدر قط، وأن الطائفة المنصورة القائمة عليه لم تزل وستظل إلى أن يأتي أمر الله. والمقصود من هذا هو بيان ضلال المستشرقين ومن اتبعهم أو سبقهم من الحاقدين على الإسلام حين يحسبون أن الإسلام مرت به الحال نفسها التي مرت باليهودية والنصرانية في عصورها الأولى، حيث صدعتها الانشقاقات واستعلت البدع والمحدثات حتى طغت وسادت إلى أن لم يبق للحق الخاص من يمثله إلا أفراد، لا يكاد يحس بهم أحد، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره أن الله نظر إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم، فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وكما تشهد به التجربة الحية التي خاضها سلمان الفارسي رضي الله عنه بحثا عن الحق (٣).

المصدر:ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي لسفر الحوالي - ١/ ٢٥١


(١) الثابت في الروايات الصحيحة والمعلوم لدى الأمة تواترا أنه لم يكن يوم السقيفة لا شيعة ولا خوارج، بل لم يكن هناك خلاف بالعمق والضخامة التي يصورها هؤلاء، وإنما كان تداولا للرأي ونقاشا بين المهاجرين والأنصار، سرعان ما انتهى في لقاء واحد ووقت وجيز إلى الإجماع الذي لم يشهد تاريخ الحكومات في العالم مثله، تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر)
(٢) انظر: ((نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام)) (١/ ٢٢٨).
(٣) بل نقول: إن هذا الدين هو دين الفطرة السليمة لدى كل مخلوق فكيف بعامة المسلمين؟ أما ما نراه اليوم من كثرة البدع فيهم فإن من أعظم أسبابها الجهل وخفاء الحق وتلبيس علماء السوء، ومع ذلك فما تزال الطائفة المنصورة تجاهد في كل مكان ولن يكون النصر إلا لها بإذن الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>