للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: "ومعلوم أنه يدخل في ذم من ذم الله من القدرية من يحتج به على إسقاط الأمر والنهي أعظم مما يدخل فيه المنكر له، فإن ضلال هذا أعظم، ولهذا قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، وروي في ذلك حديث مرفوع؛ لأن كلا هاتين البدعتين تفسد الأمر والنهي، والوعد والوعيد، فالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد، ويهون أمر الفرائض والمحارم. والقدري إن احتج به كان عونا للمرجئ، وإن كذب به كان هو والمرجئ قد تقابلا، هذا يبالغ في التشديد حتى لا يجعل العبد يستعين بالله على فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وهذا يبالغ في الناحية الأخرى" (١).

فهم ارتبطوا مع المرجئة من جهة الاشتراك في إضعاف أم الله، وأمر الإيمان والوعد والوعيد، كما أن الصنف السابق من القدرية مرتبط بالمرجئة من جهة النشأة، وأنه في وقت متقارب. وقد بين شيخ الإسلام منزلة كل فريق من هؤلاء، فقال: "لكن المعتزلة من القدرية أصلح من الجبرية والمرجئة ونحوهم في الشريعة علمها وعملها، فكلامهم في أصول الفقه، وفي أتباع الأمر والنهي خير من كلام المرجئة من الأشعرية وغيرهم، فإن كلام هؤلاء قاصر جدا، وكذلك هم مقصرون في تعظيم الطاعات والمعاصي، ولكن هم في أصول الدين أصلح من أولئك، فإنهم يؤمنون من صفات الله وقدرته وخلقه بما لا يؤمن به أولئك، وهذا الصنف أعلى، فلهذا كانت المرجئة في الجملة خيرا من القدرية، حتى إن الإرجاء دخل فيه الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم، بخلاف الاعتزال، فإنه ليس فيه أحد من فقهاء السلف وأئمتهم" (٢).

وأما ما جاء من نصوص في ذمهما، فيقول شيخ الإسلام في ذلك: "وقد رويت أحاديث في ذم القدرية والمرجئة، روى بعضها أهل السنن".

وهناك وجه ثالث في ارتباط المرجئة بالقدرية، وهو أنهما مع الروافض والخوارج يمثلون أصول بدع الضلال الثنتين والسبعين.

فقد قال يوسف بن أسباط وعبدالله بن المبارك رحمهما الله:"أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، المرجئة" (٣).

وهذه الفرق كلها كانوا في أول الأمر يشتركون في انتحال النصوص والاستدلال بها على بدعتهم، ولم يكونوا يعارضون النصوص بما يدعون من العقليات، كما هو حال الجهمية ومن تأثر بهم ممن جاء بعدهم حتى من الفرق السابقة نفسها من الشيعة والخوارج والقدرية والمرجئة.

يقول شيخ الإسلام: "ومعلوم أن عصر الصحابة وكبار التابعين لم يكن فيه من يعارض النصوص بالعقليات، فإن الخوارج والشيعة حدثوا في آخر خلافة علي، والمرجئة والقدرية حدثوا في أواخر عهد الصحابة، وهؤلاء كانوا ينتحلون النصوص، ويستدلون بها على قولهم، لا يدعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص. ولكن لما حدث الجهمية في أواخر عصر التابعين، كانوا هم المعارضين للنصوص برأيهم، ومع هذا فكانوا قليلين مقموعين في الأمة" (٤).

المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص ١٠٨


(١) ((الفتاوى)) (٨/ ١٠٥ - ١٠٦)؛ وانظر منها (١٦/ ٢٤١ - ٢٤٢).
(٢) ((الفتاوى)) (١٦/ ٢٤٢ - ٢٤٣)؛ وانظر: ((جامع الرسائل)) (١/ ١١٨)؛ و ((التدمرية))، (ص٢٣٥).
(٣) ((الفتاوى)) (٣/ ٣٥٠)؛ وقول ابن أسباط وابن المبارك مذكور أيضاً في: ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٨٦؛ ١٣/ ١٤٣)، (١٧/ ٤٤٧، ٣٥/ ٤١٤)؛ ومجموعة ((الفتاوى الكبرى))، لشيخ الإسلام ابن تيمية، طبعة سنة ١٤٠٨هـ، دار المنار بمصر (٢/ ٢٣)؛ و ((درء التعارض)) (٥/ ٣٠٢)، (٧/ ١١٠)؛ و ((النبوات)) (١/ ٤٢٣)، (٥٧٧).
(٤) ((درء التعارض)) (٥/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>